تشهد حركة النهضة حالة من التخبط والخلافات منذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد بتاريخ 25 جويلية الماضي تجميد عمل البرلمان لمدة شهر قابلة للتمديد وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وإقرار جملة من التدابير الاستثنائية.
خلافات وانشقاقات صلب الحزب دفعت بمجلس شورى الحركة إلى تأجيل اجتماعه المقرر يوم أمس خاصة مع تعكر الحالة الصحية لرئيس البرلمان ورئيس الحركة راشد الغنوشي الذي تم نقله مساء أمس إلى المستشفى العسكري بالعاصمة لتلقي العلاج.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، اعتبر أكثر من 130 شابا من حركة النهضة في عريضة تم توجيهها إلى أعضاء مجلس الشورى الوضعية حرجة وأن حزب النهضة كان عنصرا سياسيا مباشرا وغير مباشر في هذه الأزمة التي وصلتها البلاد.
عريضة داخلية لحل المكتب التنفيذي
وحملّ الموقعون على العريضة قيادة الحزب المسؤولية كاملة عن التقصير في تحقيق مطالب الشعب التونسي وطالبوا بحل المكتب التنفيذي للحركة فورا والتفاعل بجدية مع مطالبهم للقطع مع حالة التخبط التي يعيشها الحزب والبلاد.
وبتاريخ 25 جويلية الماضي، تعرضت العديد من مقرات حركة النهضة إلى الحرق والتخريب من طرف مواطنين غاضبين عن أداءها في الحكم باعتبارها المسؤول الأول عن إدخال البلاد في أزمة.
وقال عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس حركة النهضة السابق المستقيل منذ سنة تقريبا من الحزب إن ما حدث بتاريخ 25 جويلية حسم في كامل المنظومة بما في ذلك حركة النهضة.
ف “النهضة تتحمل مسؤولية كبيرة جدا في ما عاشته البلاد وهي فوتت على نفسها فرصة القيام بمراجعات وممارسة العمل السياسي بأكبر قدر ممكن من الشراكة”، حسب الجلاصي الذي أشار إلى الأزمة الداخلية التي تعيشها الحركة.
وكان الجلاصي من القيادات البارزة للنهضة منذ زمن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي والذي انتقد في تصريحات إعلامية سابقة بقاء راشد الغنوشي على رأس الحركة لمدة خمسة عقود.
من جهته، قال النائب عن الحركة سمير ديلو في حواره مع إذاعة موزاييك إنه من الضروري أن تعرف قيادات النهضة حجمها الحقيقي بعد ما حصل من متغيرات. وأكد أنه ضد دعوة الغنوشي أنصاره إلى النزول إلى الشارع، قائلا: “إن اللجوء إلى العنف وتعريض حياة الناس للخطر ومواجهة قوات الأمن خط أحمر”.
وفي ظل جملة الخلافات الداخلية وغضب جزء كبير من الشارع التونسي، دعت النهضة رئيس الجمهورية إلى الحوار لكنه لم يتفاعل معها. كما سعت منذ اعتبارها ما حصل يوم 25 جويلية “انقلابا” إلى الاتصال بعدد من الأحزاب لتنسيق المواقف وتقوية موقعها كي لا تبقى في عزلة، إلا أن معظم الأحزاب رفضت حتى حلفاؤها في الحكومة التي تم حلها قاموا بتعديل مواقفهم وتخلوا عنها نسبيا.
زلزال داخل النهضة
من جهته، وصف الدكتور والمفكر عبد اللطيف الحناشي ما يحدث داخل النهضة هذه الفترة بـ “الزلزال”خاصة مع انشقاق العديد منها وخروج أنصارها للإعلام مثل ما حدث مع الموقعين على العريضة الذين حملوا قيادة الحركة المسؤولية التامة في ما يحدث.
وأكد الحناشي أن ما يحدث اليوم ستكون له تداعيات على مستقبل النهضة على المستويين الداخلي والخارجي، قائلا: “تعيش النهضة اليوم حالة مخاض تصل إلى الزلزال ومع تذبذب تصريحات قياداتها وصلت إلى نوع من العزلة حتى مع حلفائها من ذلك حزبي قلب تونس وتحيا تونس”.
وبالإضافة إلى العزلة الداخلية للنهضة على المستويين الحزبي والوطني، تعيش النهضة عزلة خارجية خاصة بعد تخلي أبرز حلفائها عنها تحديدا قطر وتركيا.
ويقول الدكتور الحناشي: “إن الإشكال مطروح اليوم على مستوى الإسلام السياسي، فالتحولات موجودة على المستوى الإقليمي خاصة مع تمكن مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بدرجة أقل من تحجيم هذا التيار على المستوى الإقليمي وحتى الدولي”.
وذكر محدثنا أن داعمي الإسلام السياسي من ذلك قطر وتركيا أدركوا أنه خيار غير ناجع وتسبب في مشكل أكثر من جلب حلول، “فهم يدركون أن 11 سنة من الإسلام السياسي في تونس لم تحقق أي مطلب من مطالب الثورة”، حسب تعبيره.
وكانت قطر أعلنت في بيان صادر عن خارجيتها متابعتها تطورات الأوضاع السياسية في تونس داعية إلى تجنب التصعيد وانتهاج الحوار لحل الأزمة، دون أي توصيف منها لما يحدث في تونس انقلابا.
من جهتها، تبنّت تركيا في أول بيان رسمي لها موقف حركة النهضة معتبرة ما حصل بتاريخ 25 جويلية انقلابا على الشرعية، ولكن سرعان ما تراجعت عن موقفها. فقد أعلن وزير الخارجية التركي وقوف تركيا ومساندتها لكل ما فيه مصلحة وخير للشعب التونسي وتحقيق تطلعاته.
وذكر الباحث عبد اللطيف الحناشي ان النهضة تعيش اليوم نوعا من العزلة ، “فحتى حلفائها باتوا يتعاملون معها بحذر شديد لأنهم يتعاملون بمنطق الدولة أكثر من المنطق الحزبي، والممارسة البراغماتية هي التي ستسود بالأخير”، حسب قوله.
ومع تطورات الأحداث في البلاد وتأزم الوضع داخل حركة النهضة وغضب عدد كبير من أنصارها، تتجه الأنظار نحو مجلس شورى الحركة الذي لم يحدد موعد انعقاده بعد خاصة بعد تأجيله و تعكر الحالة الصحية للغنوشي وعدم تجاوب سعيد مع دعوة رئيس الحركة له للحوار.